الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية (نسخة منقحة)
.ذكر وصول رسول الأنكتار وهو ابن الهنغري وهو من أكابرهم وملوكهم ومن أولاد ملوكهم: وصل وفي صحبته شيخ كبير ذكروا أن عمره مائة وعشرون سنة فأحضره السلطان عنده وسمع كلامه. وكانت رسالته أن الملك يقول إني أحب صداقتك ومودتك وأنك ذكرت أنك أعطيت هذه البلاد الساحلية لأخيك فأريد أن تكون حكماً بيني وبينه ولا بد أن يكون لنا علقة بالقدس الشريف ومقصودي أن نقسم بحيث لا يكون عليه لوم من المسلمين ولا علي لوم من الإفرنجية فأجابه في الحال بوعد جميل ثم أذن له في العود في الحال وتأثر بذلك تأثراً عظيماً وأنفذ وراءهم من سألهم عن حديث الأسارى وكان منفصلاً عن حديث الصلح. فقال: إن كان صلح فعلى الجميع وإن لم يكن صلح فلا يكون من حديث الأسارى شيء وكان غرضه رحمه الله أن ينسخ قاعدة الصلح فإنه التفت إلي في آخر المجلس بعد انفصالهم وقال متى ما صالحناهم لا تؤمن غائلتهم فإنني لو حدث لي حادث الموت ما تكاد تجتمع هذه العساكر وتقوى الإفرنج فالمصلحة أن لا نزال على الجهاد حتى نخرجهم من الساحل أو يأتينا الموت. هذا كان رأيه قدس الله روحه وإنما غلب على الصلح..ذكر مشورة ضربها في التخيير بين الصلح بين الأنكتار والمركيس: ولما كان حادي عشر شوال جمع السلطان الأمراء والأكابر وأرباب المشورة وذكر لهم القاعدة التي التمسها المركيس واستقر الأمر من جانبه عليها وهي أخذ صيدا وأن يكون معنا على الإفرنج ويقاتلهم ويجاهرهم بالعدوان، وذكر ما التمسه الملك من تقرير قاعدة الصلح وهي أن تكون لنا من القرى الساحلية مواضع معينة وتكون لنا الجبليات بأسرها أو تكون القرى كلها مناصفة وعلى هذين القسمين يكون لهم قسوس فيبيع القدس الشريف وكنائسه. وكان الأنكتار قد خيرنا بين هذين القسمين فشرح قدس الله روحه الحال في القاعدتين للأمراء واستنبط آراءهم في ترجيح أحد الحالين فرأى أرباب الرأي أنه إن كان صلح فليكن مع الملك فإن مصافاة الإفرنج للمسلمين بحيث يخالطوهم بعيدة غير مأمونة الغائلة. وانفض الناس وبقي الحديث متردداً في الصلح والرسل تتواتر في تقرير قواعد الصلح. وأصل التقاعد أن الملك قد بذل أخته للملك العادل بطريق النرويج وأن تكون البلاد الساحلية الإسلامية والإفرنجية لهما، فأما الإفرنجية فلها من جانب أخيها والإسلامية له من جانب السلطان وكان آخر الرسائل من الملك في المعنى أن قال: إن معاشر دين النصرانية قد أنكروا علي وضع أختي تحت مسلم بدون مشاورة البابا وهو كبير دين النصرانية ومقدمه وها أنا أسيّر رسولاً يعود في ستة أشهر فإن أذنت فيها ونعمت وإلا زوجتك ابنة أخي وما أحتاج إلى إذنه في ذلك. هذا كله وسوق الحرب قائم، والقتال عليهم ضربة لازم، وصاحب صيدا يركب مع الملك العادل في الأحيان ويشرف على الإفرنج وهم كلما رأوه تحركوا لطلب الصلح خوفاً من أن ينضاف المركيس إلى المسلمين وعند ذلك تنكسر شوكتهم ولم يزل الحال كذلك إلى خامس عشر شوال..ذكر رحيله رحمه الله إلى تل الجزر: ولما كان ذلك اليوم أصبح الملك على عزم الرحيل وأحضر أرباب الرأي وشاورهم في جواب رسالة القوم وعرض عليهم حديثه وذكر ما عندهم في ذلك وأحضر الرسل وكان ابن الهنغري يترجم بينه وبين البحرين واستقرت القاعدة على أن ينفذ معهم رسولين: رسولاً من جانبه ومن جانب العادل الآخر لأن الحديث كان يتعلق به وكان من جملة من رسالتهم أن البابا إن أذن في هذا العقد تم، وإن لم يأذن زوجنا الملك العادل بابنة أخي الملك وهي بكر وذكروا أن من ينهم أن البابا إنما يحتاج إلى إذنه في تزويج الثيب من بنات الملوك وأما الأبكار فيزوجها أهلها. وانفصل الحال على ذلك وسارت الرسل إلى خيم الملك العادل ليجهز رسول السلطان ويلحقه، ثم وصل بعد ذلك من اليزك من أخبر أن الفرنج قد انتشر منهم راجل كثير وخرجوا عن الأسوار التي لهم ولم يظهر لخروجهم غائلة، وسار رحمة الله عليه إلى تل الجزر لارتياد اليزك وتبعه الناس في الرحيل فما كان الظهر إلا ورحل الناس إلى السلطان ونزلنا بتل الجزر. ولما عرف الإفرنج بعود السلطان رحلوا عائدين وأقام السلطان بتل الجزر ثم رحل إلى جهة القدس الشريف ورحل الإفرنج إلى جهة بلادهم واشتد الشتاء واعظمت الأمطار وسار السلطان إلى القدس الشريف وأعطى العسكر دستوراً وأقمنا بالقدس في ذلك الشتاء أجمع. وعاد العدو إلى بلادهم ووصل الأنكتار عساكره إلى يافا وعاد إلى عكا ينظر في أحوالها فأقام مدة ثم وصل منه رسول يقول إني أوثر الاجتماع بالملك العادل ففيه مصلحة تعود على الطائفتين فقد بلغني أن السلطان فوض أمر الصلح إلى أخيه الملك العادل فاتفق الرأي في مضي الملك العادل على أنه يمضي بحيث يجتمع بعساكرنا التي في الغور وكوكب وتلك النواحي ويحدثه ويقول له أن الحديث جرى بيننا مراراً وما أسفر عن مصلحة فإن كانت هذه الدفعة كتلك الدفعات فلا حاجة إلى الحديث، وإن كان الغرض بت حال فقارب الحال وأنا لا أجتمع بك إلا أن رأي ما يقارب فصل الحال وقرر مع الملك العادل أن رأى ما يمكن معه فصل الحال وإلا طاوله وماطله إلى أن تصل العساكر من الأطراف فالتمس الملك العادل تذكرة تتضمن إنهاء ما ينفصل الحال عليه فكتب تذكرة فيها المناصفات وذكر فيها من أمر بيروت أنه أصر على طلبها وأن نعطي صليب الصلبوت ويكون لهم في القمامة قس ويفتح لهم باب زيارتها بشرط أن لا يحملوا السلاح وكان الحامل على ذلك ما أخذ الناس من تعب مواظبة الغزاة وكثرة الديون والبعد عن الأوطان فإن من الناس من كان لا يفارق السلطان ولا يمكنه طلب دستور منه..ذكر مسير الملك العادل: وكان مسيره من القدس الشريف عصر الجمعة رابع ربيع الأول سنة ثمان وثمانين وخمسمائة ثم وصل كتابه من كيسان يخبر أنه لقيه الهنغري مع الحاجب أبي بكر رسولاً من الأنكتار يقوا إنا قد وافقنا على قسمة البلاد وأن كل من في يده شيء فهو له، فإن كان ما في أيدينا زائداً أخذتم في مقابله ما يقابل الزيادة مما يخصنا، وإن كان ما في أيديكم أكثر فعلنا كذلك ويكون القدس لنا ولكم فيه الصخرة. هكذا كان مضمون الكتاب. فأوقف السلطان عليه الأمراء فاستصوب ذلك الأمير أبو الهيجاء ورأى من حال هذا المقال أن يوافق عليه الملك العادل وهو مصلحة. وسار الجواب إلى الملك العادل في ذلك.ولما كان حادي عشر ربيع الأول وصل الحاجب أبو بكر صاحب الملك العادل يخبر أن الأنكتار سار إلى يافا من عكا وأن الملك العادل ما رأى أن يجتمع بخ إلا عن قاعدة منفصلة وأنه جرى بين هذا الحاجب وبين الأنكتار مفاوضات كثيرة حاصلها أنه نزل على أن تكون الصخرة لنا والقلعة في أيدينا والباقي مناصفة وأن لا يكون في البلد منهم مذكور وأن تكون قرى القدس وباطنه مناصفة ثم قدم الملك العادل في سادس عشر ربيع الأول من الغور ولقيه السلطان وحكى ما سبق من الخبر.وفي بقية ذلك اليوم وصل من أخبر أن الإفرنج أغاروا على حلة عرب قريبة من الدارون وأنهم أخذوا منهم جماعة وأنهم أخذوا منهم زهاء ألف رأس غنم فعظم ذلك على السلطان وشق عليه فسير جماعة فلم تلحقهم..ذكر انفصال رسول المركيس: وكان قد وصل يوسف غلام صاحب صيدا رسولاً من جانب المركيس يلتمس الصلح مع المسلمين فاشترط رحمه الله عليه شروطاً منها أن يقاتل جنسه ويباينهم. ومنها أن ما يأخذه من البلاد الإفرنجية بعد الصلح بانفراده يكون له وما نأخذه نحن بانفرادنا يكون لنا وما نتفق نحن وهو على أخذه تكون له نفس البلد ويكون لنا ما فيه من أسرى المسلمين وغير ذلك من الأموال. ومنها أن يطلق لنا كل أسير مسلم في مملكته. ومنها أن فوض الأنكتار إليه أمر البلاد أمر يجري بينهم كان الصلح بيننا وبينه على ما استقر بيننا وبين الأنكتار ما عدا عسقلان وما بعدها فلا يدخل في الصلح وتكون الساحليات له وما في أيدينا لنا وما في الوسط مناصفة وسار رسوله على هذه القاعدة.ولما كان يوم الاثنين الثامن والعشرون من ربيع الأول وصل أسد الدين شيركوه بن محمد بن شيركوه ووصل جريدة مقدماً على عسكره..ذكر خروج سيف الدين المشطوب من الأسر: وكان وصوله إلى القدس الشريف يوم الخميس مستهل جمادى الآخرى. دخل على السلطان بغتة وعنده أخوه الملك العادل فنهض له وعانقه وسر به سروراً عظيماً وأخلى المكان وتحدث معه بطرف من أحاديث العدو وسأله عن حديث الصلح فذكر أن الأنكتار سكت عنه.وفي هذا اليوم كتب السلطان إلى ولده الملك الأفضل أن يسير إلى قاطع الغزاة ويستلم البلاد من الملك المنصور بن الملك المظفر وكان قد أظهر العصيان بسبب الخوف من السلطان على نفسه وأظهر ذلك ودخل في أمره الملك العادل وسير إلى الملك العادل حتى يتحدث في أمره. وكان ذلك قد شق على السلطان وأثار منه غيظاً عظيماً كيف يكون هذا الأمر من أهله ولم يكن أحد من أهله خاف منه ولا طلب يمينه وهذا كان السبب في توقف الأنكتار في الصلح فإنه ظن أن خلافه يكدر للسلطان شرب الغزاة ويحوجه إلى الموافقة على ما يرضاه فأنفذ إلى الملك الأفضل أن يسير إلى البلاد وكتب إلى الملك الظاهر بحلب المحروسة أن أخاه إن احتاج إلى معونة عاونه وجهزه بحملة كبيرة وسار باحترام عظيم حتى وصل إلى حلب وأكرمه أخوه الملك الظاهر إكراماً عظيماً وعمل له ضيافة تامة وقدم بين يديه تقدمة سنية. وعدنا إلى حديث العدو..ذكر عودة رسول صور: ولما كان سادس ربيع الآخر من سنة ثمان وثمانين وخمسمائة وصل يوسف من جانب المركيس يجدد حديث الصلح ويقول قد انفصل الحال على شيء بينه وبين الإفرنجية فإن نجز في هذه الأيام سارت الفرنسيسية في البجر وإن تأخر بطل الحديث في الصلح بالكلية فرأى السلطان الصلح مع المركيس مصلحة لاشتغال قلبه من جانب الشرق وخاف أن يتصل ابن تقي الدين بكتمر فيحدث من ذلك ما يشتغل الخاطر من الجهاد فأجاب إلى ملتمس المركيس وكتب مع صاحبه مواضعة علة نعت ما تقدم، وسار يوسف الرسول بالجواب تاسع ربيع الآخر..ذكر قتل المركيس: ولما كان السادس عشر من الشهر وصل من الرسول المنفذ إلى المركيس كتاب أن المركيس قتل وعجل الله بروحه إلى النار، وكانت صورة قتله أنه تقدم يوم الثلاثاء ثالث عشر عند الأسقف ثم خرج فقفز عليه اثنان من أصحابه بالسكاكين، وكان خفيفاً من الرجال، فما زالا يضربانه حتى عجل الله بروحه إلى النار، وأمسك الشخصان وسئلا عن هذا الأمر ومن حضهما عليه، فقالا: إن الأنكتار حملنا عليه، وقام بالأمر اثنان فحفظا القلعة إلى أن اتصل الخبر بالملوك وانعقد الأمر وتدبر المكان.
|